إختلاف أئمـة
المُجتهدين فى الفروع رحمة من اللَّه
وقد اتفقت كلمة علماء الأمة
على أن أحكام الشريعة كلها معللة بمصالح العباد،
ولأجلها شرعت، سواء منها ما هدانا الله لمعرفته بالنص عليه أو بالإيماء إليه؛ وما
لم نهتد اليه فلحكمة يعلمها الله جل شأنه، ولذلك فإن كثيرا من الأحكام الاجتهادية
تتغير بتغير الأزمنة، وقد تختلف باختلاف الأشخاص وطاقاتهم وقدراتهم وظروفهم.
كذلك ينبغي أن نصوص الكتاب
والسنة، منها ما هو قطعي في ثبوته، وهو القرآن العظيم والمتواتر من السنة.. وأن من
السنة ما هو ظني في ثبوته، مثل: أخبار الآحاد. ودلالة النص قد تكون ظنية، قد تكون
قطعية كذلك، ومعرفة كل ذلك له أثره في الاستنباط والاجتهاد
والفهم من النص، فليس لأحد أن ينكر على الآخرين ما قد يفهمونه من النص من فهم مخالف لفهمه، ما دام اللفظ يحتمله، والدليل يتسع له، ونصوص الشرع الأخرى لا تناقضه أو تعارضه، ومعظم الأحكام المتعلقة بالفروع والمتناولة للنواحي العملية هي من النوع الذي يثبت بالطرق الظنية رحمة من الله تعالى بعباده، ليتسع للناس مجال الاجتهاد فيها، وما دام الشارع الحكيم قد فتح باب اليسر للعباد، وجعل مصلحة الناس معتبرة فلا يليق بأحد أن ينسب مخالفا له في أمر من هذه الأمور إلى كفر أو فسق أو بدعة، بل عليه أن يلتمس لمخالفه من الأعذار ما يجعل حبل الود موصولا بينهما، فيحظى بحبه وتقديره ۔
والفهم من النص، فليس لأحد أن ينكر على الآخرين ما قد يفهمونه من النص من فهم مخالف لفهمه، ما دام اللفظ يحتمله، والدليل يتسع له، ونصوص الشرع الأخرى لا تناقضه أو تعارضه، ومعظم الأحكام المتعلقة بالفروع والمتناولة للنواحي العملية هي من النوع الذي يثبت بالطرق الظنية رحمة من الله تعالى بعباده، ليتسع للناس مجال الاجتهاد فيها، وما دام الشارع الحكيم قد فتح باب اليسر للعباد، وجعل مصلحة الناس معتبرة فلا يليق بأحد أن ينسب مخالفا له في أمر من هذه الأمور إلى كفر أو فسق أو بدعة، بل عليه أن يلتمس لمخالفه من الأعذار ما يجعل حبل الود موصولا بينهما، فيحظى بحبه وتقديره ۔
روي في الحِلْية،
والمدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي،عن القاسم بن محمد أنه قال:
كان اختلاف أصحاب محمد رحمة لهؤلاء الناس (وجاء التعبير بالرحمة في قول الإمام
مالك للرشيد) وأن اختلاف العلماء رحمة من اللَّه على هذه الأمة، وقد ورد القول على
ألسنة علماء ومحدثين قولهم: "إن اختلاف هذه الأمة رحمة من اللَّه لها، كما أن
اختلاف الأمم السابقة كان لها عذاباً وهلاكاً، ولأئمة الشريعة الإسلامية وفقهائها
أقوال كثيرة حول الاختلاف۔
ويرى
العلامة القسطلاني المتوفى سنة 923 هـ في "المواهب اللدنية
أن الاختلاف من خصائص هذه
الأمة المحمدية: حيث يقول: >إجماعهم حجة، واختلافهم رحمة<، وحكى الشيخ
ابن تيمية، رحمه اللَّه، في مجموع الفتاوي عن أحد العلماء ولم يُسَمّه
أنه كان يقول: "إجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة". وقد وجدت هذه المقولة الطيبة الصادقة في كلام ابن قدامة في مقدمة كتابه: >المغني<، وكان
عظماء رجالات السلف ينظرون إلى اختلاف الأئمة أنه توسعة من اللَّه تعالى ورحمة منه
بعباده المكلفين غير القادرين بأنفسهم على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها
الأساس . ويقول القاسم بن محمد بن أبي بكر، أيضاً: لقد نفع اللَّه باختلاف
المسلمين أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ، في أعمالهم، لايعمل العالم بعمل رجل
منهم إلا رأى أنه في سَعَةٍ، ورأى أن أخاً خيراًً منه قد عمله، وروى ابن عبد البر:
ماذكر مسنداً أن عمر بن عبد العزيز، قال: >ما أحب أن أصحاب رسول اللَّه
عليه الصلاة والسلام ، لم يختلفوا، لأنه لو كانوا قولاً واحداً كان الناس في ضيق،
وإنهم أئمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سَعَةً.
وقال الإمام السيوطي، رحمه اللَّه، في أوائل رسالته: >جزيل المواهب في اختلاف المذاهب<: فصل (اعلم أن اختلاف المذاهب
في هذه الملة نعمة كبيرة وفضيلة عظيمة، وله سر لطيف أدركه العالمون، وعَمِِيَ عنه
الجاهلون، حتى سمعت بعض الجهال يقول: النبي عليه الصلاة والسلام ، جاء بشرع واحد،
فمن أين مذاهب أربعة ؟! ، إلى أن قال: فعرف بذلك أن اختلاف المذاهب في هذه المِلة
خصيصة فاضلة لهذه الأمة، وتوسيع في هذه الشريعة السمحة السهلة، ومن سَعَتِها أنه
وقع فيها التخيير بين أمرين، شرع كل منهما في ملة كالقصاص والدية، فكأنما جمعت
الشرعين معاً، وزادت حسناً بشرع ثالث: وهو التخيير الذي لم يكن في إحدى الشريعتين.
ومن ذلك مشروعية الاختلاف بينهم في الفروع، فكانت المذاهب على اختلافها كشرائع
متعددة كل مأمور به في هذه الشريعة، فصارت هذه الشريعة كأنها عدة شرائع بعث بها
النبي عليه الصلاة والسلام ، بجميعها، وفي ذلك توسعة زائدة لها، وفخامة
عظيمة لقدر النبي عليه الصلاة والسلام ، وخصوصية له على سائر الأنبياء، حيث بعث كل
منهم بحكم واحد، وهو بعث عليه الصلاة والسلام ، في الأمر الواحد بأحكام متنوعة
يحكم بكل منها، وينفذ، ويصوب قائله، ويؤجر عليه، ويُقتدى به، ويؤكد علماء سابقون
أن الاختلاف يفتح الآفاق ويُعمل العقل، ويُثري الفكر ويزيد في محصلات العالم
والمتعلم على السواء. اهــ(
وقد ذكر الحافظ
ابن عبد البر عن
جماعة من فقهاء السلف أن الاختلاف في الفروع فيه سعة فروى عن القاسم بن محمد بن
أبي بكر قال :[ لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم
لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة ورأى أنه خير منه قد عمله …
وعن القاسم بن محمد قـال : لقد أوسع الله على الناس باختلاف أصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم أي ذلك أخذت به لم يكن في نفسك منه شيء …
وعن رجاء بن جميل قال : اجتمع عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد فجعلا يتذاكران
الحديث قال فجعل عمر يجيء بالشيء مخالفاً فيه القاسم قال وجعل ذلك يشق على القاسم
حتى تبين فيه فقال له عمر لا تفعل فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم …
وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أنه قال : لقد أعجبني قول عمر بن عبد العزيز ما
أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا لأنه لو كانوا قولاً واحداً
كان الناس في ضيق وأنهم أئمة يقتدى بهم فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة . قال
أبو عمر هذا فيما كان طريقه الاجتهاد …
وعن أسامة بن زيد قال سألت القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر فيه
فقال إن قرأت فلك في رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة وإذا لم
تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة …
وعن يحيى بن سعيد قال ما برح أولو الفتوى يفتون فيحل هذا ويحرم هذا فلا يرى المحرم
أن المحل هلك لتحليله ولا يرى المحل أن المحرم هلك لتحريمه] جامع بيان العلم
وفضله 2/80۔
وقال الشيخ
ابن قدامة المقدسي في مقدمة كتابه العظيم المغني ما نصه] أما بعد : فإن الله برحمته وطَوْله وقوته
وحوله ضمن بقاء طائفة من هذه الأمة على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله
وهم على ذلك وجعل السبب في بقائهم بقاء علمائهم واقتدائهم بأئمتهم وفقهائهم وجعل
هذه الأمة مع علمائها كالأمم الخالية مع أنبيائها وأظهر في كل طبقة من فقهائها
أئمة يقتدى بها وينتهى إلى رأيها وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام مهد بهم
قواعد الإسلام . وأوضح بهم مشكلات الأحكام اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة
. تحيا القلوب بأخبارهم وتحصل السعادة باقتفاء آثارهم ثم اختص منهم نفراً أعلى
قدرهم ومناصبهم وأبقى ذكرهم ومذاهبهم فعلى أقوالهم مدار الأحكام وبمذاهبهم يفتي
فقهاء الإسلام] [المغني 1/3ء4[
وقال الإمام
السيوطي رحمه الله في رسالته المسماة: "جزيل المواهب
في اختلاف المذاهب"
) اعلم أنَّّ اختلاف المذاهب في الملة نعمة كبيرة، وفضيلة
عظيمة، وله سر لطيف أدركه العالمون، وعمي عنه الجاهلون، حتى سمعت بعض الجهال يقول:
النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جاء بشرع واحد، فمن أين مذاهب أربعة(
وقال الإمام
الشاطبي المالكي رحمه الله في الاعتصام) فإنَّ الله تعالى حكم بحكمته أن تكون
فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالا للظنون، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا
يمكن الاتفاق فيها عادة، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف، لكن في الفروع دون
الأصول، وفي الجزئيات دون الكليات، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف(
وقال الإمام بدر
الدين الزركشي الشافعي رحمه الله)اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لم
يُنَصِّبْ على جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَدِلَّةً قَاطِعَةً بَلْ
جَعَلَهَا ظَنِّيَّةً قَصْدًا لِلتَّوْسِيعِ على الْمُكَلَّفِينَ لِئَلَّا
يَنْحَصِرُوا في مَذْهَبٍ وَاحِدٍ(
وقال الإمام المناوي
في فيض القدير شرح الجامع الصغير )ويجب علينا أن نعتقد أن الأئمة الأربعة
والسفيانين والأوزاعي وداود الظاهري وإسحاق بن راهويه وسائر الأئمة على هدى ولا
التفات لمن تكلم فيهم
بما هم بريئون منه(
وصنف رجل كتاباً
في الاختلاف فقال الإمام أحمد بن حنبل: (لا تسمه كتاب
الاختلاف، ولكن سمه كتاب السعة(
وفى هذا القدر
كفاية لمن أراد الهداية
No comments:
Post a Comment